مفهوم التواصل
تشكِّل الحضارة الإنسانية منذ نشأتها وحتى الآن نسيجاً متعدد الألوان، كلّ خيط فيه - مع احتفاظه بكينونته الخاصة - يعطي بتلاحمه مع بقية الخيوط لهذا النسيج متانته وشكله النهائي، مثله في ذلك كمثل لوحة فسيفساء كل جزء منها مستقل بذاته، ولكن اصطفاف هذه الأجزاء وفق قوانين بنائها يعطي اللوحة النهائية رونقها الخاص الذي يستمد جماليته من تفاعل هذه العناصر مع بعضها البعض.
ومع اختلاف العوامل الأنثروبولوجية والجغرافية والاقتصادية لكلّ شعب من الشعوب كان لا بدّ للتجربة الإنسانية من أن تكون متفاوتة في النمو والنضج من منطقة لأخرى ومن زمن لآخر ومن شعب لآخر..
وسوف نستهل دراستنا هذه بذكر بعض التعاريف لمفهوم الحضارة:
(الحضارة هي أرفع تجمّع ثقافي للبشر وهي أشمل مستوى للهوية الثقافية لا يفوقه من حيث تحديده للهوية الثقافية إلا الذي يميّز الإنسان عن غيره من الأنواع الأخرى، ويمكن تحديدها أو تعريفها بكل العناصر الموضوعية مثل اللغة والتاريخ والدين والعادات والتمايز الذاتي للبشر)
(1).
(الحضارة هي الدرجة العليا من تباين الوجود الإنساني، وهي ذلك الشيء القادر على إلغاء التناقضات القائمة ما بين المجموعات البشرية ذات الانتماء العرقي والثقافي المختلف، وكذلك بين الشعوب المتطورة وغير المتطورة وبين ماهية السلطة والحاجة إلى نظام عام وهي تتضمن في داخلها الأبعاد التاريخية للواقع وهي التي تعالج قضية الاستخلاف والتعاقب)
(2).
وهو ما يمكن اختصاره بأنها مجموعة بشرية اجتماعية وثقافية ذات مقاييس وأبعاد كبيرة مقتربين بذلك من مفهوم (توينبي) للحضارة بأنها الشكل الأكثر أصالة وواقعية للمجتمع البشري.
ونختم هذه التعاريف بتعريف (وول ديورانت) صاحب (قصة الحضارة):
(الحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي وتتكون من عناصر أربعة هي: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، والعلوم والفنون.
وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمن الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع
التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى
فهم الحياة وازدهارها)
(3).